ثبات سنن الله في كونه ونصر عباده

**

الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟/ وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام/ الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا.قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية / مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. /لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر /أُمَّاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما/ ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف

الأربعاء، 6 أبريل 2022

فشل الظالمين وهلاكهم سنة من سنن الله في كونه

 

من سنن الله تعالى في خلقه (6)

﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

 

الحمد لله الخلاق العليم؛ خالق الخلق، ومالك الملك، ومدبر الأمر، له في الأنفس والآفاق براهين وآيات، وله في خلقه سنن وعبر وعظات، وله في عباده أفعال وشئون ومتغيرات؛ فيؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل قدير، نحمده حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المذنبين، ونسأله من فضله العظيم، وندعوه فإنه هو البر الرحيم؛ وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له؛ أمضى قضاءه في عباده، فلا خروج لأحد منهم عن أمره، ولا مفر لهم من قدره، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أخلى قلبه من البشر مهما كانت قوتهم، ولم يرهب كثرة جمعهم، وعلق قلبه بالله تعالى رغباً ورهباً، وتحزبت عليه أحزاب الشرك واليهود والنفاق، فما ردوه عن دعوته، ولا ألانوا شكيمته، ولا أوهنوا عزيمته، ولم يُضعفوا في الحق قوته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واستمسكوا بدينكم ولو عارضكم فيه أهل الأرض كلهم؛ فإنه الحق من ربكم ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[الزُّخرف:43].

 

أيها الناس:

لله تعالى في خلقه سنن لا تتبدل ولا تتحول، بل يَطَّرِد نظامها، ويتكرر وقوعها بإتيان أسبابها، فنتائجها مبنية على مقدماتها، ووقوعها مشروط بتوافر أسبابها ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَحْوِيلًا[فاطر:43].

 

ومعرفة سنن الله تعالى في عباده مما يزيد الإيمان واليقين كلما تجددت سنة من تلكم السنن، كما أنه يفيد الأفراد والأمة جمعاء في إتيان أسباب الفلاح؛ لتقع فيهم سنن التغيير إلى الأحسن، واجتناب أسباب الخسران؛ لئلا تسلب نعمهم، أو يسلط عليهم أعداؤهم.

 

ومن سنن الله تعالى العجيبة في عباده ما ذكره سبحانه في القرآن بقوله عز وجل ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأنعام:129].

 

ولهذه السنة الربانية في الظالمين جانبان:

فالجانب الأول: أن الظلمة بعضهم أولياء بعض، ولو اختلفت أديانهم ومناهجهم ومذاهبهم وثقافاتهم واتجاهاتهم، فيجمعهم الظلم ولو تفرقوا، ويوحدهم قصدهم للمظلوم بالظلم ولو تباينت غاياتهم من ظلمه.

 

ولما كان الشرك أعظم الظلم كان الكفر ملة واحدة، وكان الكفار بعضهم أولياء بعض، وكان المنافقون بعضهم أولياء بعض؛ لأن بغضهم للإيمان يجمعهم ولو تفرقوا في غير ذلك؛ ولو كان بعضهم يعبد الحجر، وبعضهم يعبد البشر، ولو كان منهم من يعبد هواه وشهوته كالملاحدة والعلمانيين، أو من يعبد المادة كالشيوعيين، فيجتمعون على ظلم أهل الإيمان ولو فرقتهم أديانهم وأفكارهم.

 

إن هدفهم محو الإيمان الصحيح من الوجود، ثم يختلفون بعد ذلك فيما يَخْلُف الإيمان بعد محوه، أو يختلفون في اقتسام تركة أهل الإيمان وبلدانهم، فهم أولياء في الهدف والقصد، وإن اختلفوا بعد تحقيق غايتهم في بلد من البلدان، أو في زمن من الأزمان.

 

قال الله تعالى في الكفار ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ[الأنفال: 73] وقال تعالى في كفار أهل الكتاب ﴿ لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ[المائدة: 51] وقال سبحانه في المنافقين ﴿ المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ[التوبة:67] أي: كأنهم نفس واحدة، وفيه نفي أن يكونوا من المؤمنين، وتكذيبهم في حلفهم أنهم من المؤمنين ﴿ وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ ﴾ وتقرير لقوله ﴿ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ[التوبة:56] فبين سبحانه أن النفاق حالة واحدة، وأن أصحابه أولياء، سواء كان نفاقا سلوليا شهوانيا، أم كان نفاقا سبئيًا باطنيا؛ لأن غاية النفاقين هدم الإسلام الصحيح من داخله، وحينئذ فلا غرابة أن يوالي العلماني والليبرالي الصفوي الباطني.

 

والجامع الذي يجمع هذه المذاهب والملل والأهواء الضالة عن الحق أنهم لا يعلمون الحق بسبب تقصيرهم في الوصول إليه، أو بسبب استكبارهم عن قبوله، أو بسبب إعراضهم عن معرفته.

 

ومن عجائب القرآن وكنوزه أن الله تعالى وصف فيه أصحاب كل المذاهب الباطلة في جملة واحدة هي: أنهم لا يعلمون، وجعل في مقابلهم من يعلمون شريعة الله تعالى، فأمرهم بالاستمساك بها، فلا يغترون بكثرة الضالين عنها، ولا يخدعون بتنوع مذاهبهم، واختلاف مناهجهم، فكلهم لا يعلمون، وأعجب من ذلك أن الله سبحانه لما ذكر الأديان المختلفة، والمذاهب المتباينة، والمناهج المتعددة، ووصف أصحابها بأنهم لا يعلمون؛ ذكر سنته الماضية في الظالمين بتولية بعضهم بعضا، فاستمعوا لذلك في هذه الآية العظيمة ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ[الجاثية: 18، 19]. نعم، بعضهم أولياء بعض، ولن يغنوا عن أهل الإيمان شيئا، بل يتعاونون عليهم ويتعاضدون، ولو اختلفوا فيما عدا ذلك، فلا يهولن المؤمن اجتماعهم وتولي بعضهم بعضا؛ لأن الله تعالى هو ولي المتقين.

 

ورأينا هذه السنة الربانية في كل قضايا المسلمين المعاصرة بدءا بقضية فلسطين التي احتلها اليهود بمعونة البروتستانت، ثم آزرهم الكاثوليك بعد ذلك، وخضع لهم الأرثوذكس، كما أيدهم العلمانيون من رأسماليين وشيوعيين، على ما بينهم من خلافات كثيرة، وحروب مستعرة. وآخرها قضية سوريا التي اقتسموا الأدوار فيها حتى آلت الشام إلى ما آلت إليه من تدمير وخراب، وقتل بمئات الآلاف، وتهجير بالملايين، في زمن رفع لافتات حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وحقوق الطفل.

 

ومن كان يظن أن الصليب الأرثذوكسي المطعم بالشيوعية المادية سيقف مع العمامة الصفوية المتعصبة التي وقفت من قبل مع النصيري العلماني مع أن المذهب الإمامي يكفر النصيرية ويستحل دماءهم؟! وبقية اللاعبين من بروتستانت وكاثوليك وملاحدة يمسكون بالضحية للذابح بمبادرات ومقترحات؛ ليستمر العذاب بالمعذب، وليقتل المجرم أكبر قدر ممكن من المؤمنين. وبين القضيتين الفلسطينية والسورية عشرات القضايا للمسلمين التي والى فيها الظالمون بعضهم بعضا لسحق المؤمنين، والاجتماع عليهم، واقتسام الأدوار بينهم. فهذا الجانب من هذه السنة الربانية واضح وضوح الشمس، ورآه من عاشوا عصرنا رأي العين.

 

وأما الجانب الآخر من هذه السنة الربانية التي تخبر عنها الآية الكريمة ﴿ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأنعام:129] فهو تسليط الظالمين بعضهم على بعض، فالظالم يسلط عليه ظالم مثله أو أشد ظلما منه، وكما قيل: من أعان ظالما على ظلمه سلط عليه، وقيل أيضا: وما ظالم إلا سيُبلى بظالم. وقرأنا في التاريخ عبرا كثيرة في ذلك. وكم من ظالم تسلق على جثث ضحاياه بأعوان أعانوه على ظلمه، ثم سحقوه بعد ذلك، ولا يزال الظالمون يسحق بعضهم بعضا، وفي حادثة التتار سهل ابن العلقمي احتلالهم بغداد لذبح أهل الإيمان، فسلطوا عليه فأذلوه حتى مات كمدا بعد أشهر قليلة من خيانته الشنيعة. وفي عراق اليوم لا زال الصفويون يذلون من شاركوهم الخيانة، وأعانوهم على الظلم، وسيسلط على الصفويين من يقتص منهم من أهل الحق أو من يبالغ في ظلمهم من أهل الباطل؛ فإن سنة الله في تسليط الظالمين بعضهم على بعض لا تتخلف ولا تتبدل ﴿ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا[الأحزاب: 38].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدًا طيِّبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ[البقرة:48].

 

أيها المسلمون:

قد يبدو للناظر لأول وهلة أنه لا قبل لأهل العدل والإيمان بمواجهة أهل الظلم والطغيان بشتى مللهم الكفرية ومذاهبهم النفاقية، ولا سيما أن الأحداث تلو الأحداث تكشف عن تحالفات خبيثة، ومخططات رهيبة ضد أهل الإيمان، تعمد إلى فنائهم، واقتسام بلدانهم، وقهرهم بالعمائم الصفوية، ولكن سنة الله تعالى المذكورة في القرآن تفيد عكس ذلك؛ ففي شأن المنافقين قال الله تعالى ﴿ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[الأحزاب: 61- 62].

 

وفي شأن الكفار قال تعالى ﴿ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[الفتح: 22- 23].

 

فإنهم وإن والى بعضهم بعضا، وتعاضدوا وتناصروا على أهل الإيمان، واقتسموا الأدوار فيما بينهم؛ فإنهم لن يصمدوا أمام أهل الإيمان، ولن يحققوا غايتهم في محوهم من الوجود.

 

ومعرفة المؤمنين لهذه السنة الربانية لن تزيدهم إلا تمسكا بإيمانهم، وذودا على حقهم، ودفعا للظلم عنهم؛ فإنهم منصورون، ولن ينفع الظالمون تولي بعضهم بعضا، بل سيخذلون ساعة الحسم.

 

ويستفيد أهل الإيمان بمعرفة هذه السنة: مجانبة الظلم بشتى أنواعه، وعدم استقلال القليل منه؛ لئلا تجري عليه سنة الله تعالى في الظالمين.

 

كما أن معرفة هذه السنة سبب للحذر من الكفار والمنافقين؛ لأن بعضهم يوالي بعضا، ولو صاح إعلامهم بخلاف ذلك؛ فالجعجعة شيء، والفعل شيء آخر، وقد رأينا العمائم الصفوية ترتمي في أحضان الشيطان الأكبر، ورأينا أبواق الصمود والممانعة انقلبت رأسا على عقب، وكم من أحداث مباركة كشفت خبايا كان كثير من الناس عنها غافلين، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

 

وصلوا وسلموا على نبيكم... 

من سنن الله تعالى في خلقه (7)

فشل الظالمين وهلاكهم

 

الحمد لله العليم القدير، القوي المتين؛ ذي العزة والملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، يسوق الظالمين إلى هلاكهم، وينجي المظلومين من بأسهم، نحمده على نعمه وآلائه، ونشكره على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يملي للظالمين حتى يأمنوا، ويولي بعضهم بعضاً ليفرحوا، ويمدهم في طغيانهم ليعمهوا، ثم يديل عليهم فيُهزموا، وما من ظالم إلا وقد حاك أسباب هلاكه بيديه، ومشى إلى حتفه برجليه؛ قَدَرا من العليم القدير؛ ليوقعه في شر أفعاله، فيبكي ندما على حياته وأعماله، ولات حين مندم ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ للـهِ رَبِّ العَالَمِينَ [الأنعام:45]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ حذر أمته من الظلم ومن الركون إلى الظالمين، وأخبر عن مصارعهم في الغابرين، وبشر بانتصار المظلومين، وأخبر أن "دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ" صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، قد حرمه الله تعالى على نفسه وجعله بين عباده محرما ونهاهم أن يتظالموا.

 

أيها الناس:

سنن الله تعالى في عباده لا تتبدل ولا تتغير، فلا يردها قوي مهما بلغت قوته، ولا تتعجل لمستعجل حتى تبلغ أجلها الذي ضربه الله تعالى لها ﴿ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62].

 

ومن سنن الله تعالى في عباده سوق الظالمين إلى مهالكهم، وإيباقهم بما كسبت أيديهم. وهي سنة في الظالمين ثابتة لا تتغير ولا تتخلف، سواء كان ظلمهم لأنفسهم، أم كان لغيرهم، وسواء كان ظلمهم لمجرد العبث، أم كان ظلمهم لمصالح يظنونها؛ لأن تحريم الظلم مطلق محكم لا يجري عليه أي استثناء، فلا يباح الظلم أبدا، فلا مصلحة تبيحه، ولا ضرورة مهما عظمت ترخص فيه؛ وذلك ليُقطع الطريق على الظلمة فلا يسوغون ظلمهم، ولا يعتذرون باضطرارهم إليه، أو تحقيق المصالح به.

 

وإذا كان تحريم الظلم محكما مطلقا مغلظا فإن الله تعالى لا يعذب أحدا إلا بظلم اقترفه؛ ولذا قال سبحانه ﴿ هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 47] فلا هلاك إلا بظلم، ولا ظلم إلا وعاقبته هلاك.

 

وعقوبة الظالم لا تتخلف أبدا؛ فهي عقوبة تصيبه في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما جميعا، وكل الأمم التي عذبت وأهلكت علق هلاكها بظلمها، وهي أمم كثيرة كما دل على ذلك القرآن  ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف:4-5] و(كم) عند العرب تستخدم للتكثير، فهي قرى كثيرة أهلكت بظلمها، بدليل إقرارهم بظلمهم لما رأوا العذاب.

 

وفي آيات أخرى ﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ [الأنبياء:11] ثم أخبر سبحانه أنهم قالوا وهم يعاينون العذاب  ﴿ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ [الأنبياء:14-15].

 

فكثرة القرى التي قصمت وأهلكت وعذبت دليل على أن سنة الإهلاك والعذاب ماضية، وإقرار المعذبين بالظلم عند رؤية بوادر العذاب دليل على أنهم إنما عذبوا وأهلكوا بظلمهم؛ لتكون النتيجة: أن سنة الله تعالى ماضية في عذاب الظالمين وإهلاكهم.

 

وفي تعبير قرآني آخر ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا [الحج:48] (وكأين) إنما تستخدم عند العرب لتكثير العدد، وهذا يدل على كثرة تلك القرى التي أخذها الله تعالى.

 

فالتعبير القرآني بـ(كم) و (كأين) المفيدتين للتكثير في الإخبار عن عذاب الظالمين وهلاكهم يدل على أن هذه السنة الربانية في الظالمين مضطردة لا تتخلف. فيستبشر المظلومون بها، ويوقنون بأن الله تعالى منتقم من الظالمين لا محالة، وأن ظلمهم للضعفاء لا بد أن يعود ضرره عليهم؛ فللكون رب يدبره، وله سبحانه حُكم يفرضه، وله تعالى قدر يُنْفِذُه، وله عز وجل سنن يمضيها، فلا ييأس مؤمن يعلم ذلك ويوقن به، ويقرأ مصارع الظالمين في القرآن الكريم.

 

كما تدل الآية على أن من سنة الله تعالى في الظالمين الإملاء لهم؛ لئلا يظن من يستبطئ وقوع الوعيد أن تأخر العذاب والإهلاك دليل على عدم وقوعه. بل سيقع وسيكون شديدا؛ لأن الظالمين قد قامت الحجج عليهم، وانقطعت معاذيرهم، وهذا ما يدل عليه قوله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

 

وإنما يستبطئ المظلوم هلاك الظالم؛ لشدة ما يعاني من الظلم، وما يجد من القهر، وما يحس به من الغبن، ولا سيما إذا كان الظلم ظلما في الدين، وأذى في ذات الله تعالى، واستباحة للدماء، وانتهاكا للأعراض، وتهجيرا من الديار، ولكن ما يريح المظلوم المقهور لو قرأه فتدبره قول الله تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ [إبراهيم:42] فإذا أيقن المظلوم أن الله تعالى مطلع على ظلم الظالم، مع علمه بأنه سبحانه يهلك الظالمين؛ علم أن الله تعالى إنما يؤخر هلاك الظالم لأمر يريده، فيه مصلحة للمظلوم، وهذا من تمام لطف الله تعالى بالمظلومين.

 

فليحذر المؤمن من استبطاء وعد الله تعالى في الظالمين؛ لأن سنن الله تعالى في عباده تجري على وفق علمه وحكمته، ولا تتكيف سننه سبحانه بأهواء الخلق ورغباتهم، وإلا لكان الخلق يشاركون الله تعالى في خلقه وأمره، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ﴿  أَلَا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ [الأعراف:54] ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء:22].

 

وقد دل القرآن على أن لعذاب الظالمين موعدا مضروبا، وأجلا محتومًا، قد قدره الله تعالى، فلا يستقدم عنه لرغبة المظلومين، ولا يستأخر عنه لرغبة الظالمين ﴿ وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا [الكهف:59].

 

وهذه السنة في هلاك الظالمين، واستخلاف المظلومين بعدهم؛ وعد من الله تعالى أوحى به إلى رسله عليهم السلام؛ تأكيدا على أن هذه السنة الربانية جارية في الأمم كلها ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ [إبراهيم:13-14].

 

وقد وقعت هذه السنة العظيمة في الأمم السالفة، قال الله تعالى في فرعون وجنده ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ * وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:136-137] .

 

فيا لله العظيم، ما أعظمها من سنة! وما أكثر وقوعها في الأمم المتتابعة! وما أقل اعتبار الظالمين بها! وما أسعد المظلومين بتحققها!

 

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الاعتبار بكتابه الكريم، والتفقه في دينه القويم، ومجانبة سبل الظالمين الهالكين، إنه سميع مجيب.

 

وأقول قولي هذا وأستغفر الله...

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وافقهوا عن الله تعالى سننه، وتعلموا آياته في خلقه؛ فإن الجهل بالله تعالى وبمراده أوبق كثيرا من الخلق  ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ [يوسف:105].

 

أيها المسلمون:

حين ينظر المؤمن إلى مكر الظالمين وكيدهم فلا يهولنَّه؛ فإن فوق هذا المكر والكيد رب يرده ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ [آل عمران:54] ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا *وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطًّارق:15-17].

 

وإذا رأى المؤمن اجتماع القوى الظالمة من صهيونية وصليبية وباطنية وعلمانية، وتآزرها على سحق الإسلام وأهله؛ فليوقن أنهم لن يحققوا مرادهم، ولن يفلحوا في سعيهم، ولن يضروا أهل الإيمان إلا أذى؛ بل سيرتد ذلك عليهم؛ وذلك أن الله تعالى قد قضى في الظالمين بعدم الفلاح، وإذا جانبهم الفلاح أخفقوا في كل أمر يبرمونه، وفي كل كيد يدبرونه، وشواهد ذلك من التاريخ أكثر من أن تحصر، ودلائله من الواقع شاهدها الناس، ولا يزالون يشاهدونها، فقد جاء تأكيد ذلك في أربعة مواضع من كتاب الله تعالى ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21] وفي عشرة مواضع من القرآن الإخبار بأن الله تعالى ﴿ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ [آل عمران:86] فإذا نزع منهم الاهتداء والفلاح ضلوا وخسروا، وسعوا فيما يضرهم وينفع خصومهم. ونرى ذلك ماثلا أمامنا في الدول الاستعمارية الظالمة؛ فإنها تنتقل في سياساتها من فشل إلى فشل، ونراه كذلك في كثير من الطغاة الظالمين الذين عبدوا الناس لأنفسهم من دون الله تعالى؛ فإن دعاياتهم الفجة لأنفسهم تنقلب وبالاً عليهم، فيستجلبون مقت الناس وغضبهم من حيث أرادوا استجلاب محبتهم.

 

وسبب ذلك أن الظالمين أتوا ما حرم ربهم عليهم من الظلم، فمقتهم الله تعالى، وغضب عليهم، وفي القرآن إخبار بأن الله تعالى ﴿ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:57].

 

فلا يجزع مؤمن من تفاهم الظالمين فيما بينهم، وتدبير المكائد ضد المظلومين، واصطفافهم لاجتثاث المؤمنين؛ فإن الله تعالى يفرق جمعهم، ويشتت شملهم، ويخالف بينهم، فيتخلى بعضهم عن بعض، فتتبدل مصالحهم، وتتبخر وعودهم ﴿ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا [فاطر:40].

 

وصلوا وسلموا على نبيكم... 

=========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق